زغـــــــوان مواقــــع ومعـــــالم

زغـــــــوان مواقــــع ومعـــــالم

Aqueduc

مقال للمحافظة المستشارة

تقع مدينة زغوان على منحدر جبل زغوان، الذي يبلغ طوله 9كم ويرتفع إلى علوّ 1295م شمال شرقي البلاد التونسية. وهو عبارة عن سلسلتين متوازيتين من الجبال يفصلها واد يُسمّى واد القلب، ويطل على سهل زراعي واسع، تشقه شبكة هامة من الأودية. ينتمي جبل زغوان لسلسلة من الكتل الجبلية المكونة للجانب الشرقي لما يسمى بالظهريّة التونسيّة، التي تتجه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي.  هذا ما جعل من مدينة زغوان متميزة بكثرة منابع المياه المعدنية وبالعيون الساخنة. يحد زغوان شمالا ولاية بن عروس شرقا ولاية نابل غربا ولاية سليانة جنوبا ولاية سوسة.
سميت زغوان اسم ” Ziqua زيكا” باللاتينية دلالة على الماء، وذلك لاحتوائها على الينابيع المائيّة العذبة، والمياه الجوفيّة، ولارتباطها بجبل زغوان الذي تنضب منه العديد من عيون المياه الطبيعية .
يعود الحضور البشري في منطقة زغوان إلى العصر الآشوري حسب ما أثبتته الحفريات الأثرية التي قام بها العديد من الباحثين والآثاريين ونذكر على سبيل المثال، الدّراسات التي تمّت في الهضاب المحيطة بالحوض الأوسط لوادي مليان، حيث تمّ العثور على حجارة منحوتة بطريقة تشبه الفأس قرب سدّ بئر مشارقة، كان الإنسان قد استعملها منذ عصور ما قبل التاريخ وترجع إلى العصر الأشولي (Acheulien). كما تمّ اكتشاف العديد من المغاور، تبيّن أنّ تاريخها يعود لنفس الفترة من خلال الرّسوم والمنحوتات التي عُثر عليها منقوشة على الصّخور المغاور في جهة واد مليان، واد الكنز، منطقة سيدي مسعود.
تعاقبت على زغوان العديد من الحضارات كالحضارة البونية والحضارة الرومانية التي خلفت العديد من المعالم والمعابد والمسارح من خلال الآثار الموجودة اليوم في زغوان المدينة وسجرماس وبئر مشارقة وتيبروماجيس بالفحص. وقد تواصل ازدهار هذه المدن حتى فترة الاحتلال البيزنطي وفي الفترة الاسلامية مع العهد الأغلبي والفاطمي والحفصي. ثم استوطن الأندلسيون مدينة زغوان بعد طردهم من الأندلس عام 1609 في حكم الملك فيليب الثالث، فنقلوا إليها حضارتهم وجلبوا معهم العديد من الصناعات التقليدية مثل صناعة الشاشية. كما بنوا بها المساكن والدكاكين وطواحين لغسل الشاشية في طريق العين وأخرى هوائية لاستخراج مياه الابار وريّ الزراعات الجديدة كالبرقوق المعروف بالشّاشي وحبّ الملوك والنّسرين والياسمين والزياتين التي غرسوا منها عشرة آلاف زيتونة سنة 1795م. وقد قدّر القسّ الاسباني فرانسيسكو خيماناث عدد سكان زغوان 1000 نسمة عندما زارها سنة 1724م.


زغوان في عيون الرحالة والمؤرخيين

جاء في وصف الرحالة ابن أبي دينار “أن الحنايا الرومانية من زغوان الى قرطاج هي أهرامات تونس إعجابا بهندستها ودورها الكبير في ضمان الماء لمدينتي تونس وقرطاج”. كما تحدث عنها العديد من المؤرخين والرحالة كالبكري والجغرافي الكبير الإدريسي والشاعر حازم القرطاجنّي والرحالة الأندلسي وأيضا الرحالة المغربي الوزّاني والقس الإسباني الرحالة خيمنازكما تغنى بها الشاعران الفرنسيان “أندري جيد” و”فلوبار” والكاتب السويسري “دونان” مؤسس منظمة الصليب الأحمر الدولي، واستقر بها شاعر تونس الأكبر “أبو القاسم الشابي” صحبة والده بدار القاضي بنهج الشوّاشية.
كما نقل الحميري في الروض المعطار عن البكري والادريسي أن جبل زغوان يسمىّ كلب الزّقاق لظهوره وعلوّه واستدلال المسافرين به، وأن بزغوان قوما منقطعين للعبادة، وأن قلعتها روميةّ قديمة منيعة، وأن حساّن بن النعمان هو الذي فتحها صلحاونظرا لمناعة موقعها جبل زغوان فقد ٱختيرت ملجأ للعُبّاد والزّهاد ومنفى للمظلومين. كما وأعجب بها الرحالة الأجانب لطابعها الأندلسي في تخطيط المدينة وهندسة مبانيها وخاصة مقام سيدي علي عزّوز المتوفّى سنة 1710م الذي بناه الأمير محمد باشا المعروف بالحفصي سنة 1680م. من أتباع هذا الشيخ محمد الصغيّر داود النّابلي ومحمد بن مامي الحنفي الباجي ومحمد الأخضر الأندلسي الزغواني الذي انتقل إلى مصر سنة 1713م، ونهب قراصنة النّصارى كتبه في الاسكندرية، ثم أصبح مدرّس أبناء الأمير حسين بن علي وإمّام جامعه. وقد عاش كلّ هؤلاء الأعلام في النصف الثاني من القرن 17م وبداية القرن 18م، فهم إذن معاصرون للولي علي عزّوز شيخ أولياء زغوان في اعتقاد عامة السكان. وقد اضطلعت زاوية سيدي علي عزّوز دورا هاما في إنشاد الأوراد الصوفية وتعليم المالوف.

زغوان التراث الطبيعي


يعتبر جبل زغوان محيط بيئي ممتاز ببمغاوره وكهوفه ودواميسه الغنيّة بالعديد من النّباتات والحيوانات. فقد اكتشف فيه الطّبقات الجيولوجيّة التي تمتدّ من الحقبة الجوراسيّة السّفلى حتّى الحقبة الرّباعيّة الحديثة، حيث تغطي الصّخور الكلسيّة سطحه مساهمة في تساقط الأمطار والثّلوج خاصّة على السّلسلة الجنوبيّة للجبل. سمحت طبيعة هذه الطّبقات بتغذية المياه الجوفيّة فيه لتكوّن المغارات في شكل جولدينات (دوليناس) متفاوتة الأحجام في الأماكن العالية على ارتفاع يفوق 900م. وعلى بعد 10كم من المدينة، تمّ اكتشاف مجموعة هامّة من الكهوف والمغاور عن طريق خبراء فرنسيون في عهد الاستعمار كما تمّ اكتشاف العديد من الكهوف 25 عن طريق نادي الكهوف والمغاور بزغوان بالتعاون مع خبراء من بلجيكا في إطار التبادل الثقافي والشبابي. وتوجد بالجبل العديد من الترسبات تعود إلى آلاف السنين تسببت فيها تفاعلات كيميائيّة بين الجبس والصّخور الأخرى خلفت ابرا حجرية بأشكال وألوان مختلفة، كما أن هذا الجبس الموجود بالمغارات والكهوف من النوع النادر. ومن أهم المغارات التي وقع اكتشافها هي مغارة الشيطان الموجودة في أعلى قمة بجبل زغوان إلى جانب مغارة ” المجانين الأربعة ” التي يبلغ اتساعها بين 15م و3م وعمقها 285م، مغارة “معبد المياه” ومغارة “سيدي بوقبرين” ومغارة “وادي الدالية” ومغارة صيف 2000 ومغارة المعزة. وبذلك أصبح جبل زغوان محطّ أنظار العديد من الباحثين والجيولوجيين وبذلك واكتشفت فيه العديد من الكنوز الجيولوجية والبيولوجيّة وهو ما أهله ليكون محطّ ترحال السيّاح سواء محليين أو أجانب وخاصة منهم المغامرون الشبان « Randonneurs»  .

زغوان المدينة الأثرية

* المركب المائي زغوان-قرطاج أثريا، يعود تأسيس معبد المياه إلى عهد الإمبراطور هادريان الذي حكم الإمبراطورية الرّومانية من 117 إلى 138م، على بعد 3كم من المدينة السكنية. وهو مجمع أثري في شكل معبد مقام على عين بسفح جبل زغوان متخذا شكلا نصف دائري. بنيت الحنايا قبل معبد المياه عندما أمر الامبراطور الروماني أدريانوس بتشييد الحنايا وجلب المياه من زغوان إلى قرطاج التي كانت مركز الحكم آنذاك، بعد أن اجتاحت البلاد 5 سنوات من الجفاف. شيّدت في تونس معابد كثيرة عبر تاريخها، منها معبد الإله جوبيتير، وهو الاله الأعظم ومعبد مارس، وهو إله الحرب والسلم، ومعبد ماركور، وهو إله التجارة، فضلا عن معابد آلهة المياه والبحار، نبتون، ولكن معبد المياه بزغوان يعد من أكبر المعابد التي بنيت ولها علاقة بالمياه كما أنه من اكثر المعالم التّي حَافظت على صبغتها الأولى منذ نشأتها. وأقيم المعبد على الطراز الرّوماني، بطريقة تم الاعتماد فيها على حجارة، جُلبت من جبال زغوان وضواحيها، بالإضافة إلى استعمال الرخام المصري واليوناني والإيطالي للزخرفة. ويتكوّن المعبد من أدراج يمينًا وشمالاً، تأخذ الزائر مباشرة إلى ما كان يسمى حينها «ببيت المقدس أو المعبودة» (حسب ديانتهم آنذاك)، حيث آلهة الماء والبحر، «نبتون» التي كانت مقدسة كثيراً من قبلهم، إضافة إلى الصّحن والرواق حيث تقام طقوس التعبّد، لتحملك الأدراج إلى الحوض، الذّي تتجمع فيه المياه، في الطريق نحو نحو الحنايا، لتبدأ الرحلة نحو قرطاج القديمةويعتبر هذا الحوض بمثابة نقطة وصل ما بين الدّيني واليومي، لدى الرومان آنذاك. وبحسب المجسمات التوثيقية، فقد نُحت على جوانب المعبد عروستا ماء وبحر، أما على يمينه ويساره فهناك 12 محراباً، في كل واحد فيها عروسة من عرائس الماء (تماثيل). كما كان المعبد في السابق مكسوًّا بقباب وأعمدة، على الطراز الروماني، ولكن لم يبق لها أثر اليوم، فقد نقلت لاستعمالها في بنايات أخرى كالمساجد والحمامات والفنادقومع بداية القرن 4 بعد الميلاد، وعندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، تم إِخراج كل التماثيل التي لها علاقة بالوثنية، من المعابد والمعالم، وتم إيداعها كعناصر فنية استعملت للزينة في الحمامات، كما تم ردم بعضها. أما مع الفتوحات الإسلامية، وتحديدًا في بداية القرن 7، فقد تمّ تحطيم التماثيل والأصنام، فيما اعتمدت الأعمدة والتيجان في المساجد كالجامع الكبير في زغوان الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن 17وقد تم مؤخرًا اكتشاف معلمين آخرين يقعان في محيط المعبد، الأوّل سنة 1998 وهو معبد مياه بيضاوي الشّكل، لا تزال الحفريات حوله قائمة إلى اليوم، ومعبد المياه الصغير الذي يعود اكتشافه إلى سنة 2001 والدّراسة حوله لاتزال متواصلة. كانت قرطاج عاصمة لمقاطعة رومانية كان اسمها إفريقية البروقنصلية كان يحكمها بروقنصل، وقد تطلب بناء حمامات أنطونيوس وهي أكبر حمامات، في شمال إفريقيا، توفر مورد ماء متواصل، لذلك قام الجيش الروماني بدراسة فنية وطوبورغرافية (علم رسم الخرائط) وتبين أن عين زغوان هي الأقرب وهي القادرة على فعل ذلك. ودام انجاز مشروع الحنايا الرومانية ووصلها من زغوان إلى قرطاج 30 سنة. وقد اكتسب هذا المشروع أهميته، من خلال قدرة من شيّده آنذاك على مواجهة الصعوبات الجغرافية والبناء في مناطق مرتفعة وأخرى منخفضة، تطلبت إقامة أقواس عالية لنقل المياه، وهو إنجاز قياسي بالنّظر إلى تلك الفترة الزمنية وللمعدات الموجودة آنذاك. كما أن رمزية الماء تكمن في القيمة التّي كان الرومان والإغريق يوليانها له، فقد كانت الآلهة، تعبد كواسطة بين العبد وبين القوة الطبيعية متمثلة في الماء المقدسة لديهمان معبد المياه شيد لعبادة الماء وتقديسه، ولمنح الحياة لسكان تونس، في ذلك الوقت وهو ما يعكس معرفة الإنسان في تلك العصور بقيمة هذه الثروة الطبيعية ومكانتها في حياته اليومية، على عكس المعابد الأخرى الموجودة في العالم والتي أقيمت لدفن الرموز حينها. وتقديسا لآلهة الماء نبتون، كانت تذبح لأجلها الذبائح و تقام الطقوس وتؤدى العباداتحظي الماء في تلك الحقبة الزمنية بأهمية كبرى، حضريًا ومعماريًا، ففي كل منزل كان السطح يستغل لتخزين الماء، كما توجد في وسط المنزل فسقية تبنى تحت الأرض. ان استغلال مياه زغوان تواصل في الفترة الاستعمارية لتونس (من 1881) بإعادة ترميم الحنايا منتصف القرن 19، واستغلالها من قبل البايات وأن هذه العيون تقوم إلى اليوم بتزويد منطقة زغوان وأجزاء هامة من تونس بمياه الشربأما في العصر الحديث فقد تحول هذا المعبد الذي لايزال يقوم بمهمته في تأمين الماء لتونس إلى منتزه رائععلى طريق تظللها الأشجار والبساتين دائمة الخضرة، يذهب سكان زغوان إلى معبد المياه للتنزه والتطلع على ذلك المكان الغارق في خشوع الصمت إلى حقول الزياتين وبساتين السقوي التي تمتد غربا على مدى البصر حتى سفوح بئر مشارقة. تاريخيا، فان سكان زغوان ينسبون أصل بلدتهم إلى رجل صالح يسمونه «سيدي عياد» كان أول من سكن سفح الجبل، حيث كان من كراماته أن ظهرت له عين ماء سميت باسمه، بنى حولها بيته الذي أصبح نواة لعدة أحياء ومنها توسعت البلدة وتكاثر بساتينها لأن الماء كان يجري مجانا. كما كان سكان زغوان يحافظون على نظام فريد لتوزيع الماء في قنوات وحنايا محلية في المدينة تمدهم بالماء مقابل سعر رمزي يسمى “التبنة” وهي وحدة قياس للماء تمنح حسب حاجة الدار تحت إشراف أمين الماء الذي كان مثل أمين الشواشين والصباغين وغيرهم، له دراية كبيرة باحتياجات السكان والبساتين. وكان آخر أمين ماء هو محمد كحيل الجرادي الذي ظل يمسك دفترا لتدوين نشاطه حتى عام 1888 عندما قررت فرنسا انتزاع التصرف في مياه عياد من سكان البلدة وتكليف الشركة الفرنسية بذلكلكن فرنسا لم تقدر على انتزاع تقاليد أهل البلدة في التزود بالماء على طريقتهم وأقرت نظام التبنة الذي كان يسمح لهم بدفع مبلغ وحيد من المال مرة واحدة مقابل الحصول على تبنة أو نصفها أو ضعفها حسب الحاجة مع حرمان أصحاب البيوت الجديدة من ذلك وهو النظام الذي ما يزال ساريا إلى اليوم عندما صدر القرار عدد 150 المؤرخ يوم 3 أفريل 1961 يثبت الحقوق التاريخية لما يقارب 188 بيتا من سكان البلدة في نظام “التبنة”. وأشهر مياه السبيل في مدينة زغوان هي التي عند مقام الولي سيدي علي عزوز في النهج الذي يحمل اسمه، فالمدينة كانت تعد ما لا يقل عن 50 نبعا للسبيل يتزود منها المارة أو الذين كانوا لا يملكون الماء في بيوتهموقد تبارى أهل البلدة تاريخيا في بناء مياه السبيل و ترميمها.

* القوس الروماني”باب القوس”: وهو الباب الوحيد الذي بقي إلى الآن والمنتصب بمدخل المدينة العتيقة.

* الأثار المسيحية تحتفظ مدينة زغوان بالعديد من البقايا الأثرية التي ترجع الى الفترة المسيحية (فسيفساء, ضرائح, نواريس, قناديل, كنيسة). من أهمها الكنيسة القديمة في قلب المدينة العتيقة بزغوان تعود الى الأثار المسيحية في زغوان إلى القرن الثالث ميلادي حيث كانت الطائفة المسيحية ممثلة بواسطة أسقف سجرمانس (هنشير حراث) ” بالمجمع” الذي إنعقد بقرطاج سنة 256م والذي دعا إليه قس هذه المدينة “سان سيبريان”.

* توبريس ماجيس Thuburbo Majus يدلّ اسم المدينة على أصلها اللوبيّ، لكنّ فترة تأسيسها غير معروفة. ويعتبر من أكبر المواقع في تونس إذ يمسح حوالي 40 هكتارا، ولم تجر فيه إلاّ حفريّات جزئيّة. وتوجد به عدّة مبان فخمة في الغالب، مثل الكابتول ( وله ستّة أعمدة في الواجهة واثنتان من خلف يبلغ طولها 8,5 م وقطرها 0,85 م ) أو معبد السّلم ومعبد مركور ومعبد كايلستيس راعية المدينة ومعبد سيراس الذي حوّل إلى بازيليكا في القرن الرابع، وحمّامات الصيف، وحمّامات الشتاء، بالإضافة إلى السوق والحيّ السكنيّ.

زغوان المدينة التاريخية


حافظت المدينة العتيقة زغوان على تراثها وطابعها العمراني ومعالمها المعمارية الاصلية، في هندستها وزخارفها التي عبرت على ازدهار العمارة والزخرفة عبر التاريخ، فالشوارع والأنهج الضيّقة والسّاحات التي تكثر فيها الاسبلة والحنفيات التي تتدفق منها المياه عاكسة ثراء وأهمية هذا التراث، وتعد زاوية سيدي علي عزّوز والجامع الحنفي والجامع الكبير وبعض المنازل داخل المدينة العتيقة من أهم المعالم التاريخية.

* الجامع الحنفي: بني عام 1620 وهو الجامع الرسمي للدولة العثمانية آنذاك. فقد اتبع العثمانيون الوافدون على تونس المذهب الحنفي في حين يتبع عموم أهل تونس وسائر بلاد المغرب المذهب المالكي. وقد تحدثت المصادر التاريخية أن سيدة أندلسية تدعى مريم ابنة محمد الامام الخطيب ولقبت بالقيسية بنت مسجدا بطراز معماري فريد فمئذنته على شكل قبة وهو من أقدم المساجد ويقال ان القيسية كانت من سيدات العصر وتعد المجالس الأدبية والصوفية في القرن السابع عشر في بيتها. كما بنيت مساجد أخرى اصغر حجما في سوق زغوان في عام 1612 اي بعد عامين من استقرار الأندلسيين في زغوان.

* زاوية سيدي علي عزوز: هو أبو الحسن علي بن محمّد بن عزّوز، سُمّي علي عزّوز نسبة إلى جدّه عزّوز. وُلد في مدينة فاس بالمغرب الأقصى، لكنّ المصادر لم تذكر تاريخ ولادته. كان مؤمنا تقيّا كثير الذّكر والتغنّي بخصال سيّد الخلق حتّى مالت نفسه إلى التصوّف. واتّبع طريق الصّالحين في الدّعوة إلى الله وإرشاد النّاس إلى الحقّ. رُوي أنّه نزل بزغوان بعد رحلته إلى الحجّ، واشترى بها دار استقرّ بها. وتشير الرّوايات أنّ الأمير محمّد باشا المعروف بالحفصي قد حضر “ميعاده” في جولة له بزغوانكان للولي سيدي علي عزّوز ميعاد للذكر حضره مرة الأمير محمد باشا، وتلقى منه إشارات اعتقد منه صلاحه، فأمر ببناء زاوية له بزغوان حيث بجانب مسكنه زاويته المعروفة بزغوان وبها مقره وكان ذلك سنة 1680، وتعبر زاوية سيدي علي عزّوز عن ازدهار كبير في فنون العمارة والزخرفة، فبابها يعتبر تحفة نفيسة إذ يتكون من مصراعين كبيرين من الخشب الثمين. وقد ساهمت هذه الزاوية في التعريف بتاريخه السّياسي والدّيني وتأثيره في المجتمع الزّغواني بمنهجه التوعوي والتّدريسي لإخراج النّاس من الأميّة وذلك بتحفيظ القرآن واعتماد أسسا علميّة في التّفسير كما كان يقوم بدور المصلح الاجتماعي في الجهة فضّ الخصومات وربط الصّلة بين جامع الزّيتونة بتونس وجامع عقبة بن نافع بالقيروانفكان من أشهر أعلام المتصوّفين والصّالحين آنذاك. وفي سنة 1120 هـ (ماي 1710م) توفّي الوليّ الصّالح علي عزّوز وهرع لجنازته أهل تونس. وبسبب مرضه، أوفد الباي أخاه لحضور الجنازة.

* زاوية سيدي الطّايع: وهو مقرّ للوليّ الصالح سيدي الطّايع ذو الاصول المغربي الذي اتسم بالتقى والورع. ويمتاز هذا المعلم بطابعه المعماري الاسلامي وموقعه الاستراتيجي في مدينة زغوان.

*  مزار سيدي بوقبرين: يعود هذا المزار إلى الوليّ الصّالح الذي ينحدر من أصل مغربي المدعو ابو بكر بن حذيفة المدعو سيدي بو قرنين الذي شيدّ مدرسة وزاوية وسط جبل زغوان. وكانت قبلة للمتصوفين التونسيين مثل سيدي أبو الحسن الشاذلي والسيدة المنوبية وغيرهم. وحتى اليوم يؤمه الكثيرون ويتلون فيه الذكر والقراءات. يتوفّر هذا المكان على خصوصيات متنوّعة ومكوّنات تضاريسيّة منبسطة تمتدّ على مجال طبيعيّ بيئي متنوّع وشاسع. في تلك الفترة استحضر موسى بن نصير مقرئين ومؤذنين لكي يساهموا في نشر الإسلام بين السكان من بينهم.

القرى البربرية


وهي الزريبة العليا وجرادو وتكرونة ويعود التواجد البشري فيها إلى العهد اللوبي فالآثار المكتشفة بالمنطقة تؤكد تتالي الحضارات عليها كالبربرية والبونية والرومانية والبيزنطية ثم العربية ونذكر منها فدان الزنان وبئر سيدي بلحسن الشاذلي وبئر القليعة والقصور وحنايا عين الباطرية وحمام الزريبة الذي ارتقت في الحقبة الرومانية الى بلدية وتحصل مواطنوها على لقب مواطن لروما لتشبعهم بالحضارة الرومانية. يرجح جل المؤرخين ميلاد قرية الزريبة العليا إلى الغزو الروماني للبلاد التونسية أو إلى القرن الحادي عشر أثناء الزحف الهلالي على البلاد التونسية ويستدلون في ذلك إلى عادة البربر في الالتجاء إلى أعالي الجبال للفرار من الأجانب الغزاة “قرى ملاجئ”. وتفيد الذاكرة الشعبية بأن انشاء قرية الزريبة العليا قد يعود الى القرن السابع عشر عن طريق 3 أخوة قدموا من الساقية الحمراء من بلاد المغرب واستقروا في 3 مواقع جبلية مختلفة الزريبة وجرادو وتكرونة وابتنوا 3 بيوت فوق قممها وجعلوا لغة التواصل فيما بينهم بواسطة الدخان ولونه للتبليغ عن مكروه أو طارئ أو فرح. وفي رواية اخري فان القرية أنشئت من قبل بعض القبائل القادمة من الساقية الحمراء وبلاد المغرب الأقصى مثل منصور وبن علي ومبارك والحاج حسين و قبائل قادمة من المغرب مثل البديوي والحمارنة. كما تحولت إليها بعض القبائل من المناطق المجاورة واستقرت بها مثل الكراكرة” بن علي بن عبد الله وقويسم وقاسم” القادمين من منطقة كركر بولاية المهدية ورقاز القبيلة البربرية القادمة من لواتة وأبناء العبيدي القادمين من سيدي عبيد بالكاف واحتضنت قرية الزريبة العليا بعض القبائل الطرابلسية الفارين من الحرب الأهلية الليبية سنة 1831 كقبيلة بازيد وجدي وسكنت بها عائلات قادمة من جرادو وتكرونة على غرار دربال وعمارة التكروني.
ومن أهمها الزريبة العليا وتعني كلمة الزريبة التحويطة أو المنطقة المسوّرة والصحن المكشوف “الحوش”. تتميز هذه القرية المعلقة في أعلى الجبل بطابعها الريفي وهي شبيهة بالقلعة الحصينة حيث يشكل موقعها مرصدا حقيقيا لجبال زغوان وخليج الحمامات والسهول المحيطة بمنطقتي زغوان والنفيضة أزقتها الصغيرة المبلطة التي تلتوي حول البيوت المتراصة والمتلاصقة بتدرج حيث تبدو وكأنها محفورة في الصخور. فقد اعتمد الأهالي على الاستغلال المحكم للعناصر والمكونات الطبيعية للمكان في بناء مساكنهم كالحجارة والجير والرمل وتبليط أنهج القرية. واشتهر سكانها بتربية النحل والماعز وصناعة الحلفاء والنسيج والفحم الخشبي وزراعة القمح والشعير وصناعة العسل كما تحدث عنها محمد بن عثمان الحشايشي في كتابه العادات والتقاليد التونسية إضافة إلى صناعة الحلفاء فقد كانت تمول العاصمة بمادة الحصير خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر. وتوفرت بها بعض المقومات الأساسية للعيش مثل المسجد الجامع الذي يعود بناؤه إلى القرن السابع عشر وكتاتيب ومقهى وبعض المتاجر. واستغل سكانها المنابع والعيون المائية فيها على غرار بئر سيدي بلحسن الشاذلي وبئر القليعة وبئر عين الصابون وبئر عين صفاية وعين حمام الزريبة.


العادات والتقاليد 


مازال أهالي زغوان إلى اليوم محافظون على التأثير الأندلسيّ في الحلي والألبسة في مناسباتهم خاصة احتفالات الزفاف. واشتهرت مدينة زغوان منذ القدم بصناعة البلغة التي تتطلب الجهد والمستلزمات مثل الجلد والفارينة للتلصيق والخيط والمشطة. كما اشتهرت بصناعة الصوف الذي يتطلب المنسج أو “السداية” المتكونة من القصب وخيط “القيام” و”الرطاب” و”الجباد” و”السفاحة” و”القدادة”. حيث يبدأ النسيج بعد فرز الصوف و”قردشته” وصبغهومن كل ذلك تصنع المرأة الكليم بالوردة الذي تتميز به مدينة زغوان بألوانه البيضاء والسوداء والرمادية، والبطانية.

زغوان مدينة النسري

إضافة الى عاداتهم وتقاليدهم، جلب الأندلسيون نبتة النسري من فصيلة الورد وطرق زراعته منذ أربعة قرون. واليوم يزرع أهالي زغوان النسري لتسييج حدائقهم لأشواكها الحادة. أن الحصول على زهور قابلة للتقطير يتطلب معرفة كبيرة بطرق زراعتها وجنيها الذي عند الساعات الاولى من النهار قبل أن ترتفع درجة الحرارة. وهذه الخبرة المميزة تمتلكها نساء زغوان المتخصصات في تقطير النسري. يتم تقطير زهور النسري بتغليتها في الماء على نار الفحم ثم تعريض البخار للماء البارد لينساب في إناء جاف منتجا ماء النسري، ليستعمل في إعداد الحلويات خصوصا كعك الورقة. خصصت مدينة زغوان للنسري عيدا سنويا “مهرجان النسري” تنطلق فعالياته من 23 إلى 31 ماي من كل سنة ليتضمن العديد من الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة والعروض الاستعراضية والجوانب الإقتصادية والتجارية والمسابقات التنشيطية.

الببليوغرافيا

N. Ferchiou, Le chant des Nymphes : les aqueducs et les temples des eaux de Zaghouan à Carthage, éd. Nirvana, Tunis, 2008

N. Ferchiou, Quelques vestiges antiques d’Henchir El Oust. (Cahiers de Tunisie n° 115-116, 1981, p.7-22

N. Ferchiou, Zaghouan et sa région (Centenaire de la municipalité de Zaghouan, 12 notices de la plaquette) 1990

N. Ferchiou, Quelques réflexions sur la coopération archéologique en Tunisie, Actes du IIIe  congrès international de la recherche scientifique, Zaghouan 1997 (1998) pp. 47-50

N. Ferchiou, Les aqueducs de Zaghouan à Carthage, et leurs structures complémentaires, Africa XVII, 1999, p.p. 69-86

N. Ferchiou, Le nymphée de Zaghouan, Astrolabe 66, juin 2000 p.p. 4-5

N. Ferchiou – S. Khosrof, the aquaduct  of Karthago, Africa XIX, 2002

N. Ferchiou, Découvertes archéologiques d’époque islamique à Bir Mcherga (3e congrès pour un Corpus d’archéologie ottomane – Zaghouan)(communication  orale

N. Ferchiou, Le nymphée d’Aïn Jouggar et l’aqueduc de Kaoussat (Tunisie) (Séances scientifiques de l’INP 2000

N. Ferchiou, Les nymphées de Zaghouan et de Jouggar (recherches préliminaires sur des travaux d’aménagement du grand aqueduc alimentant Carthage à l’époque des Sévères) (communication au colloque intern. « Collecte et distribution de l’eau dans le Maghreb antique et médiéval », INP-EFR Tunis 22-25 mars 2002).

F. Rakob, Le sanctuaire des eaux de Zaghouan, Africa, TIII, IV1969 -1970

F. Rakob, Das Quellen heiligtum in Zaghouan und die römische Wasserl eitung nach Karthago, R.M. 81,1974, pp. 41-106

روابط ذات صلة :

Dossier du complexe hydraulique romain de Zaghouan-Carthage (Unesco) : http://whc.unesco.org/fr/listesindicatives/5685/

Le site officiel de la commune de zaghouan. http://www.commune-zaghouan.gov.tn/index.php/ar/joomla2/single-article2/9-sample-data-article

Share this content:

Ali DABBAGHI
Ali DABBAGHI

Ingénieur Général spécialiste des systèmes d'information et de communication, مهندس عام في نظم المعلومات والاتصالات General Engineer information and communication systems

© 2010-2021 Institut National du Patrimoine Tunisie, 04, place du château 1008 Tunis المعهد الوطني للتراث، 04 ساحة القصر باب منارة 1008 تونس Tél. +216 71 561 622, Fax : +216 71 562 452 Inc. Tous Droits réservés. Web Master

RSS
Follow by Email