موقع أوذنة الأثري

موقع أوذنة الأثري

Oudhna

I.  الموقع الجغرافي

تقع مدينة أوذنة، أوتينا القديمة، الواقعة على الطريق الرومانية التي تصل قرطاج بتبوربومايوس مرورا بمكسولا (رادس)، على بعد حوالي ثلاثين كيلومتر من الناحية الجنوبيّة الغربيّة لمدينة تونس. يغطّي الموقع الموجود على مرتفع صغير جزئيا أو كليا المربّعات لمبار 365/369 شمال – 526/526 شرق. يهيمن الموقع على سهل بالغ الجمال يمتدّ بين جبل الرصاص وجبل بوقرنين ووادي مليان. يتم الوصول للموقع اليوم عبر:

– الطريق السيارة تونس – زغوان مرورا بالمفترق المؤدي للخليدية
– الطريق الوطنية تونس – فوشانة – المحمدية – الخليدية أو المحمدية – بوربيع أو تونس – المروج – نعسان – الخليدية
– طريق رادس – بن عروس- مرناق- أوذنة
– الطريق السيارة الحمامات – تونس مرورا بالمفترق الموالي لنقطة الاستخلاص عبر مرناق

كانت مدينة أوذنة القديمة (أوتينا) إحدى أهم المدن بالمقاطعة الرومانية الافريقية. وتشهد على هذه الأهمية، مساحة الموقع، وثراء حليته المعلمية، وزينته ورخاء وكثرة منازله الخاصة. للمدينة أصول تعود إلى ما قبل عهد الرومان, فقد كانت المدينة, قرية بربرية – بونية وحصلت على رتبة مستوطنة عن الامبراطور أغسطس والذي أسكن فيها قدماء الجنود المحالين على المعاش من الكتيبة XIII وبالتالي أصبحت تحمل التسمية الرسمية التالية: (Tertiadecimorum Uthina)Colonia Julia pietas)) ويعتبرها بلينيوس الأكبر (القرن Iم) في كتابة ” التاريخ الطبيعي” من أقدم المستوطنات بإفريقيا. وعرفت نموّا ورخاءا خلال القرنين الثاني و الثالث ميلاديين، وإلى هذه الفترة يرجع بناء أغلب معالمها الكبرى.

فيما يخص الفترة المسيحية, ونظرا لغياب شواهد أثرية ثابتة في الوقت الحالي, كانت أوتينا مركز أسقفية سنة 256 بعد الميلاد على أقصى تقدير وقد مثلها أليوس فيليكس (Alis Felix) الأسقف الغير الرسمي خلال المجمع الكنسي قرطاج الذي عقده القديس قبريانوس. وعرفت أوتينا مثلها مثل أغلب المدن الإفريقية في تلك الفترة الإنشقاق الدوناتوسي: تخبرنا محاضر جلسات المجمّع الكنسي بقرطاج المنعقد سنة 411 بعد الميلاد وبمبادرة من القديس أغسطينوس أب الكنيسة الإفريقية أنّ أسقفين من هذه المدينة كان حضر الندوة: أحدهما كزعيم للمجموعة الكاثوليكية و الآخر كزعيم الدوناتوسيين. ونجد أخيرا, ذكرا لممثلي هذه الأسقفية في محاضر جلسات عدّة مجامع في المؤشّرات الأسقفيّة سنتي 419 و525 (ب.م). وفي نهاية العصر القديم تراجعت المدينة لتصبح في الفترة العربية الإسلامية قرية جدّ متواضعة.

عند التجوال في محيط موقع أوذنة، تشدّ الانتباه رتابة التضاريس. وعلى أبعد من مدى البصر تمتد سهول شاسعة تتناوب فيها مناظر الحقول المسطّحة (سهل كيلوس) مع البساتين التي تكثر فيها زراعة الأشجار المثمرة و البقول (سهول مرناق وأدنى وادي مليان). للوصول إلى المرتفعات يجب قطع مسافة تزيد عن 15 كلم أحيانا. فعلى الضفة اليمنى للوادي يطل جليا جزء من المرتفعات الظهرية على أدنى سهل مليان (جبل الرصاص 795 م) وخليج تونس (جبل بوقرنين 576م). يبرز جبل الرصاص قمّة مذبّبة وسفوحا شبه عمودية تقريبا و وعرة. أما أعلاه فيظهر على هيئة قمة ضيقة يقسمها ممرّ إلى كتلتين منفصلتين منحدراتها هاوية: الرصاص الصغير ذو علو 500م, و الرصاص الكبير إلى الجنوب و ارتفاعه 795م و المشرف على موقع أوتينة. أما جبل بوقرنين فهو أكثر رحابة. ومنحدره الغربي جدّ مشرّح, في حين أنّ الناحية الغربية تتكوّن من سلسلة جبال وهضاب تشرف على منخفض هام حيث توجد سبخة السيجومي, فالبعض من هذه الجبال و الهضاب يحيط بالحافة الجنوبية و الجنوبية الغربية للسبخة (جبل عقبة الوصيف 202م, جبل بن ناجه 190, جبل سيدي صالح 166م, جبل الناظور 141م وجبل التلّة 115م). وهناك مجموعة ثانوية ثانية تحيط بمصب وادي مليان (جبل خروبة 106م, هضبة سيدي بلحسن 88م, هضبة فندق الشوشة…..إلخ).

أمّا السهول فهي كثيرة في المنطقة الوسطى وتنطلق ابتداء من عتبة جبل الوسط حيث تنبئ رتابة التضاريس ببداية أدنى سهول مليان. أوّل منبسط هو منبسط كايلوس ويحدّه شمالا موقع أوذنة وهضاب المحمدية. وتتفاوت مرتفعاته قليلا إذ لا تتجاوز 60م. أما في منطقته الوسطى, حيث يرسم وادي مليان منعطفات جميلة بعضها اندثر, فإنّ المنحدر يكاد يكون منعدما. ويرتفع السفح تدريجيا ليتّصل بالمرتفعات المجاورة, من الجهتين الشمالية والشرقية. ويزداد سهل مليان ضيقا ليتسع فجأة في هذه المواضع ويلامس منبسط مرناق – أسفل مليان. إنّ هذا المنبسط الممتد على عرض 15كلم يضيق شيئا فشيئا كلما اقترب من الساحل وتمتاز أيضا بقممها المنخفضة (بمعدل 200م), في حين يحدّها من جهة البحر ساحل منظم ومستنقعي.

1. الموقع الجغرافي

يقع موقع اوذنة على المناطق الحدودية بين ولايتي زغوان جنوبا و بن عروس شمالا. قديما على الطريق الرومانية التي تصل قرطاج بتبوربومايوس (هنشير قصبة الموجودة قرب الفحص) مرورا بمكسولا Maxula (رادس حاليّا) وبمستعمرة أخرى اندثرت اليوم تدعى كانوبيس (canopis)، على بعد حوالي ثلاثين كيلومتر من الناحية الجنوبيّة الغربيّة لمدينة تونس. يهيمن الموقع على سهل بالغ الجمال يمتدّ بين جبل الـرصاص وجبل بوقرنين ووادي مليان.

2.التضاريس

يتألف موقع أوذنة من سهول شاسعة تتناوب فيها مناظر الحقول المسطّحة (سهل كيلوس) مع البساتين التي تكثر فيها زراعة الأشجار المثمرة والبقول (سهول مرناق وأدنى وادي مليان). للوصول إلى المرتفعات يجب قطع مسافة تزيد عن 15 كلم. على الضفة اليمنى للوادي يطل جزء من المرتفعات الظهرية على أدنى سهل مليان (جبل الرصاص 795 م) وخليج تونس (جبل بوقرنين 576م). أما أعلاه فيظهرعلى هيئة قمة ضيقة يقسمها ممرّ إلى كتلتين منفصلتين منحدراتها هاوية تتمثلان في الرصاص الصغير ذو علو 500م، والرصاص الكبير إلى الجنوب وارتفاعه 795م والمشرف على موقع أوتينة.

أما جبل بوقرنين فهو أكثر رحابة. ومنحدره الغربي جدّ مشرّح، في حين أنّ الناحية الغربية تتكوّن من سلسلة جبال وهضاب تشرف على منخفض هام حيث توجد سبخة السيجومي، فالبعض من هذه الجبال والهضاب تحيط بالحافة الجنوبية والجنوبية الغربية للسبخة (جبل عقبة الوصيف 202م، جبل بن ناجه 190م، جبل سيدي صالح 166م، جبل الناظور141م وجبل التلّة 115م). وهناك مجموعة ثانوية ثانية تحيط بمصب وادي مليان (جبل خروبة 106م، هضبة سيدي بلحسن 88م، هضبة فندق الشوشة…..إلخ).

أمّا السهول فهي كثيرة في المنطقة الوسطى وتنطلق ابتداء من عتبة جبل الوسط حيث تنبئ رتابة التضاريس ببداية أدنى سهول مليان. وأوّل منبسط هو منبسط كايلوس ويحدّه شمالا موقع أوذنة وهضاب المحمدية. وتتفاوت مرتفعاته قليلا إذ لا تتجاوز 60م. أما في منطقته الوسطى، حيث يرسم وادي مليان منعطفات جميلة بعضها اندثر، فإنّ المنحدر يكاد يكون منعدما. ويرتفع السفح تدريجيا ليتّصل بالمرتفعات المجاورة من الجهتين الشمالية والشرقية. ويزداد سهل مليان ضيقا ليتسع فجأة في هذه المواضع ويلامس منبسط مرناق–أسفل مليان. إنّ هذا المنبسط الممتد على عرض 15كلم يضيق شيئا فشيئا كلما اقترب من الساحل ويمتاز أيضا بقممها المنخفضة (بمعدل 200م)، في حين يحدّها من جهة البحر ساحل منظم ومستنقعي.

II. تاريخ المدينة
1. فترة ما قبل الرومان
2. الفترة الرومانية
3. الفترة الوندالية
4. الفترة البيزنطية
5. الفترة العربية الاسلامية
6. العصر الحديث

III. السكان
IV. الديانة
V. الحفريات
VI. المعالم
1. منزل الأندستريوس منزل اللابيريين
2. المسرح الدّائري
3. الكابيتول
4. الحمّامات العموميّة

ببليوغرافيا

II. تاريخ المدينة

يبدو أنّ تأسيسها يعود إلى العهد اللوبيّ (أو البربري) كما يدلّ عليه اسم المكان. وشاءت تقلبات التاريخ أن تصبح بونيّة ثم رومانية قبل سيطرة الونداليين والبيزنطيين عليها لفترة قصيرة – حوالي قرن في كلّ مرّة – وقبل تقهقرها النهائي بعد الفتح العربيّ في القرن السابع.

1. فترة ما قبل الرومان

الراجح أن تاريخ أوتينا يعود إلى ما قبل الانتصاب الرّوماني بشمال إفريقيا، وذلك لما لإسم أوتينا من إرتباط بالأصل البربري، فقد كانت المدينة قرية بربرية-بونية. ويعتبرها بلينيوس الأكبر (القرن Iم) في كتابة ” التاريخ الطبيعي” من أقدم المستوطنات بإفريقيا. ومن المتأكّد أنّ قرطاج البونيّة كانت لها علاقة بهذه المدينة والأراضي الخصبة التي تحيط بها خاصّة وأنه تمّ العثور بالمنطقة القريبة على خريطة لمنطقة أوذنة في العهد القديم وعلى نقيشة تحمل ثلاث لغات لاتينية بونية وإغريقية، كما وقع العثوراثرعمليات المسح بالمناطق المجاورة للمدينة من الجهة الجنوبية الغربية على بقايا حصن يرجع تأسيسه للفترة قبل الرومانية وهو يحرس مدخل المدينة من هذه الجهة وبالتّالي الطّريق المؤدّي إليها أو إلى قرطاج. كما وقع العثور علي الكميات الهائلة من القطع الفخارية والنقود التي يرجع تاريخها إلى ما قبل احتلالها من طرف الرومان.

2. الفترة الرومانية

تبدأ الفترة الرّومانية بعهد الإمبراطور أوغوسطوس «Auguste» إذ أنّ تأسيسها الفعلي بالإسم الذّي نعرفه أي أوتينا يرجع إلى هذا العهد. وقـــد حصلت منطقة اوذنة على رتبة مسـتوطنة رومـانيـة من طرف الامبراطور أغسطس والذي أسكن فيها قدماء الجنود المحـالين على المعاش من الكـتيبة للجيش الروماني XIIIوبـــالتالي أصبحت تحمل التسمية الرسمية التاليــة ( Tertiadecimorum Uthina/Colonia Julia Pietas) .
أمّا المراجع التي تدلّنا على إنشاء هذه المستعمرة الرّومانية فهي أوّلا تاريخيّة، وتتمثل في مدوّنة الكاتب الرّوماني بلين «Pline l’ancien» الذي صنفها من بين أقدم المستعمرات السّت التي أحدثت بإفريقيا، وهي سيرتا «Cirta»

  وسيكّا «Sicca» قرطاج «Carthago» مكسولا «Maxula» أوتينا «Uthina» تبربي «Tuburbi». وثانيا أثرية وتتمثّل في نصّ لاتيني كتب فوق لوحة من المرمر اكتشفت بمنزل روماني يدعى منزل سالونان « Maison de Salonin » وقد تمّ حفره منذ سنة 1896.

إلى جانب هذين المرجعين تم العثور سنة 134 بعد المسيح على نقيشة فوق المسرح الجمهوري بروما تصف لنا مدينة أوتـينا الــتي تــمّ تكـريمها وتكبـيرها بفضل العناية الــتي أولاها لهـا الإمبراطــور هادرييانوس «Harien» (711-831).

كانت مدينة أوذنة القديمة (أوتينا) إحدى أهم المدن بالمقاطعة الرومانية الافريقية. وتشهد على هذه الأهمية، مساحة الموقع، وثراء حليته المعلمية، وزينته ورخاء وكثرة منازله الخاصة. وقد عرفت نموّا ورخاءا خلال القرنين الثاني والثالث ميلاديين، حيث يرجع بناء أغلب معالمها الكبرى. بدأ تقهقر المدينة منذ أواسط القرن الثالث بعد المسيح حيث تمّ نهبها وتخريب الكثير من بناياتها من طرف الجنود المتمركزين بها وذلك إثر ثورة قرديانوس (Gordien 1er) الأوّل بالجم سنة 238 بعد الميلاد، كما وقع في القرن الرّابع تدمير بعض مبانيها من طرف الإمبراطور « Maxence ».

3. الفترة الوندالية

أمّا القرن الخامس الذي تمّ خلاله احتلال شمال إفريقيا من طرف الوندال فيمكن اعتباره شاهدا بصفة ملحوظة على تقلّص المدينة وانحطاطها، إذ تمّ مثلا في أواخر هذا القرن تركيز ورشة لصنع الفخّار داخل حمّام عائلة لابيري (Laberii) وهو ما يفسّر الاستغناء عن استعمال هذا المعلم.

4. الفترة البيزنطية

ونصل إلى القرن السّادس الذي لم يكن هو أيضا قرن ازدهار حيث واكبه الاحتلال البيزنطي وتمّ في غضونه استعمال معبد الكابيتول، والمسرح الدّائري كمنطقتين محصّنتين بعد تدعيمهما بأسوار .

5. الفترة العربية الاسلامية

وفي نهاية العصر القديم تراجعت المدينة لتصبح في الفترة العربية الإسلامية قرية جدّ متواضعة. فمن المتأكّد أنّ العرب قد مكثوا أيضا بهذه المدينة إذ انّ العديد من القطع النّقديّة وقطع الفخّار والقناديل التي ترجع إلى العهود الأغلبية والفاطميّة والحفصيّة وكذلك الحسينيّة تثبت وجودهم واستقرارهم بأوتينا. فلقد تمّ العثور على قطعة نقديّة ترجع إلى عهد موسى ابن نصير وتحديدا سنة 84هـ، وأيضا عثر على قنديل يرجع إلى العهد الزّيري، إلى غير ذلك من قطع الفخّار الأخرى التّي ترجع إلى مختلف العهود المذكورة آنفا.

6. العصر الحديث

وفي بداية فترة الاحتلال الفرنسي تمّ بيع هنشير أوذنة عن طريقة الإنزال إلى عائلة«Ducroquet» الفرنسية، حيث بنت فوق معبد الكابتول المنزل الذي لازلنا نشاهده إلى الآن.

III. السكان

مكن الإمبراطور أوغوسطوس «Auguste» عددا من الجنود الرّومان المتقاعدين من الاستقرار فوق أراضي أوذنة حيث منحهم الأراضي المجاورة للموقع ليستغلّوها فلاحيّا، كما أنّه ومن أوّل وهلة منح هذه المدينة لقب مستعمرة «Colonie» ، وهذه التّسمية كان مرغوبا فيها كثيرا في إفريقيا خلال القرن الأوّل والثّاني بعد المسيح ناهيك أنّ عددا كبيرا من مدن شمال إفريقيا لم ينالوا هذا اللقب إلاّ في أواخر القرن الثاني بل إن بعضها لم يفز به البتّة… وهو لقب يخوّل لسكّان المدينة التّمتّع بالجنسية الرّومانية والإعفاء من دفع الضرائب التي تسلّط على الأهالي الأصليين. اظهرت العديد من النّقائش اللاّتينية والحفريات الأثريّة التي تؤكّد أنّ أوتينا عرفت ازدهارا كبيرا في بداية القرن الثالث بعد المسيح، على أنّ الفترة الذّهبيّة التّي مرّت بها يمكن أن نحصرها في القرنين الثاني والثالث بعد المسيح حيث نمت المدينة وتطوّر عمرانها.

IV. الديانة

كانت الدّيانة المسيحيّة بأوتينا مزدهرة نسبيّا إذ أنّ المدينة أنجبت العديد من الأساقفة الذين شاركوا في العديد من المجامع المذكورة بالمصادر التّاريخيّة ومنها مجمع سنة 515 بقرطاج الذي حضره القس كوانتوس « Quintus». ونظرا لغياب شواهد أثرية ثابتة في الوقت الحالي، كانت أوتينا مركز أسقفية سنة 256 بعد الميلاد على أقصى تقدير وقد مثلها أليوس فيليكس (Alis Felix) الأسقف الغير الرسمي للمجمع الكنسي لقرطاج الذي عقده القديس قبريانوس. وعرفت أوتينا مثلها مثل أغلب المدن الإفريقية في تلك الفترة الإنشقاق الدوناتوسي حيث تخبرنا محاضر جلسات المجمّع الكنسي بقرطاج المنعقد سنة 411 بعد الميلاد وبمبادرة من القديس أغسطينوس أب الكنيسة الإفريقية أنّ أسقفين من هذه المدينة كانا حضرا الندوة، أحدهم كزعيم للمجموعة الكاثوليكية والآخر كزعيم الدوناتوسيين. ونجد أخيرا، ذكرا لممثلي هذه الأسقفية في محاضر جلسات عدّة مجامع في المؤشّرات الأسقفيّة سنتي 419 و525 بعد الميلاد.

V. الحفريــات

انــطلقت الحفريات الأولى في أواسط القــرن التاسع عشر وبالتّحديد سنة 1845عن طريق روسو A. Rousseau وذلك بهضبة الأكروبول أوالكابتول. ثمّ أجريت حفريات أخرى أدارها ڤوكلار «Gauckler» الذّي أماط اللّثام عن بعض المنازل في أواخر القرن التّاسع عشر، وقد ساهم الجيش الفرنسي أيضا في الحفريات خلال النّصف الأوّل من القرن العشرين ومنذ تلك الفترة لم تقع أيّة حفريّة بالموقع إلاّ التي أنجزت في أواخر الثمانينات حيث تمّ إبراز المعالم المعروفة من قبل. وقد مكّنت الحفريات التي بدأت منذ منتصف القرن التّاسع عشر من اكتشاف حوالي عشرين مسكنا رومانيا شيّدت وسط حيّ راق كما مكّنت من العثور على ما يناهز 67 قطعة من الفسيفساء أكثرها معروضة بمتحف باردو بقاعة أوتينة. وفي 24 ديسمبر 1992، استهل مشروع ترميم وصيانة الموقع، وانطـلـقـت أشغــــال الحفـــر والتّـرميــم يوم 8 فيفري 1993 وهي مستمرّة إلى حدّ الآن، وقد تمّ خلالها إبراز الواجهة الشّماليّة للقصر الدّائري «Amphithéâtre» وآكتشاف جزء كبير من قاعة بها لوحة جميلة من الفسيفساء المصنوعـة من قطع الرّخام الكبيرة Opus sectile).

وكذلك تمّ الكشف عن كلّ واجهات الكابتول وعن المنطقة المسخّنة من الحمامات الكبرى، وقد مكّنت هذه الأشغال أيضا من ترميم جزء كبير من الطّوابق السّفليّة والعلويّة للكابتول، وتدعيم جدرانه وأقواسه التي كانت مهددّة بالانهيار. إنّ التّغييرات التي تمّت بالموقع تعتبر كبيرة جدّا ولكن العمل الذّي ينتظرنا هو أكبر وخاصّة إذا علمنا أنّه سيقع إدماج الموقع وسط منتزه أثري طبيعي تبلغ مساحته حوالي 500 هكتارا ويشتمل على العديد من المنشآت الترفيهيّة.

VI. المعالم

يمتدّ الموقع الاثري على مئات الهكتارات، تمثله بنايات مهيبة تعود إلى العهد الروماني نذكر منها الكابتول، وهو أكبر ما شيّد في أفريكا القديمة، ومجموعتين من المعالم المائية الضخمة كالحمّامات عموميّة كبيرة وأخرى صغيرة للخواصّ، والمواجل، وآثار لمنازل كانت ملكا لبعض الأشراف، ومدرّج مطمور جزئيا تحت الأرض كان يتّسع في الأصل لأكثر من 10.000 متفرّج. وقد سمحت العديد من الحفريّات منذ أواخر القرن التاسع عشر بإجلاء عدد كبير من اللقى التي تعود إلى العهود البونية والرومانيّة والعربيّة. وبعد أن اعتبر موقع أوذنة منتزها أثريّا، دخل حاليّا في طور التهيئة حتى يتمّ تزويده بالبنى التحتيّة والتجهيزات المناسبة ليصبح قطبا سياحيا حقيقيا.

1. منزل الأندستريوس منزل اللابيريين

تعد المنازل المكتشفة بالموقع تســــعة وقد تـمّ حفرها من طرف الأثاري الفرنسي بول ڤـوكلار «P.Gauckler» وأشهرها وأفخمها هو المنزل المعروف باسم عائلة لابيري الموجود على اليسار بمدخل المدينة وهو منزل أعطانا الكثير من اللّوحات الفسيفسائية الخلاّبة مثل اللّوحة التي تمثّل الحياة الرّيفيّة بمنطقة أوذنة أو تلك التي تصوّر لنا ملك الأتّيك (Attique) إيكارييروس (Ikarios) وأمامه إلاه الخمر ديونيزوس «Dionysos » بصدد إهدائه عنقود عنب، أو تلك اللوحة التي تمثّل الإلاهة سـيليني (Séléné ) المبهورة بجمال الرّاعي، أنديميون ( Endymion أو تلك التي تصوّر كبير الآلهة الإلاه جـوبيتر (Jupiter) بصدد اختطاف الآلهة أوروبا (Europa)، إلى آخره من اللّوحات الجميلة الأخرى الموجودة بمتحف باردو.

2. المسرح الدّائري

وهو من أهمّ المسارح الدّائريّة بالبلاد التّونسيّة ويتسع إلى ما يناهز السّبعة عشر ألف متفرج ويرجع بناؤه إلى بداية القرن الثاني بعد المسيح. يوجد هذا المعلم بشمال الموقع وقد تمّ التّعرّض له من طرف الأخصّائيين منذ زمن طويل لكن لم يقع درس كلّ جزئياته إلاّ بعد الأشغال الحديثة التي شملته مؤخرا. لقد وقع رفع مثال هندسي للمعلم مكّننا من التّعرّف على المقاييس الجمليّة للمعلم وهي 120م على 89 مترا، وهو من أكبر المسارح الدّائريّة التي تمّ بنـاؤها بشمال إفـريقيا في العهد الرّوماني، وبـعد درس كلّ مقاييس المعلم تمّ ضبط عدد المتفرّجين الذين يمكن أن يحتويهم المـعلم وهو بالضّبط 16225 شخصا، ويمكن اعتباره رابع مسرح دائري بشمال إفريقيا بعد مسارح قرطاج والجمّ ولبدة (Leptis magna).

يقع هذا المعلم فوق هضبة أين تمّ بناء حلبته وتذكّرنا طريقة بنائه بالمسارح الدّائريّة بسانت غول (Saintes en Gaule) وإيطاليكا بمقاطعة هيسبانيا (Hispanie) أو ببرقام (Pergame) بآسيا. فالهيكل الحامل للمدارج يتّكئ من الدّاخل على حزام المنطقة المحفورة. يحتوي جزؤه العلوي على 12 جناحا خاصّا (Compartiments) أمّا واجهته فهي مبنية بالحجارة الضّخمة وبه 68 قوسا.

إنّ الحفريات الأخيرة مكّنت من تحديد تاريخ بنائها إذ تمّ العثورعلى جزء من نقيشة لاتينية تفيد أنّ هذا المعلم تمّ تشييده على الأقلّ في عهد الإمبراطور هادريانوس (Hadrien) (138-117) ولكن بصفة غير قطعية فلقد تمّ تشييد هذا المعلم على أقصى تقدير في القرن الثاني بعد المسيح، أي في الفترة التي بلغت فيها المدينة أوج ازدهارها في كلّ المجالات.

3. الكابيتول

يعتبر أكبر معبد بشمال إفريقيا الرومانية إذا ما آستثنينا كابيتول قرطاج الذي يوجد جزء هام من بقاياه تحت كاتدرائيّة قرطاج l’Acropolium حاليّا. وقد مكّنت الحفريات من اكتشاف جزء من نقيشة لاتينيّة كتب عليها كلمة أوبتيمو (OPTIMO) وقد خوّلت إزالة الأتربة التي كانت تغمر جلّ جوانب المعلم من الإستنتاج التالي : إنّ هذا الكابيتول يحتوي على ثـلاثـــة معـــابد كانت تكوّن في العهد الرّومــاني الثــالوث الكــابتــولي (La triade capitoline) وهي ترمز إلى إلاه الآلهة الرّومانية جوبيتار (Jupiter) وزوجته جينون(Junon) وآبنته مينارفة (Minerve)يتكوّن هذا المعبد الضخم في طابقه العلوي (الذي دمرّ) من القاعة التي كان يوجد بها تمثال الآلهة والقاعة المقدّسة المخصّصة للعبادة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكابيتول له خاصّية لا توجد في المعالم الأخرى الشّبيهة به ألا وهي احتواؤه على ثلاثة طوابق سفليّة (مازالت على حالة معماريّة شبه جيّدة)، وقد شيّدت فوق هضبة صغيرة وذلك لتعطي المعلم الإرتفاع المنشود، ولتمكّنه من الإشراف والسّيطرة على كلّ السهول المحيطة به. تبلغ مقاسات هذا المعلم 43x 27 م، وتحتوي واجهته الأماميّة على ستّة أعمدة يبلغ ارتفاعها مع القاعدة والتّاج حوالي ستّة عشر مترا، وهي من النّمط الكورنتي، ولبلوغها يجب صعود مدرج يضم 41 درجة مقسومة إلى مدرجين واستراحة. وقد عرف هذا المعلم عدّة تغييرات تبرز لنا عبر الجدران المضافة آنفا وكذلك عبر التّدعيمات المتأخّرة التي أجريت عليه. كما تمّ في العهد البيزنطي إضافة بعض الغرف من الجانبين الشرقي والغربي غايتها الأساسية تدعيم المعبد وحماية جدرانه من السّقوط، وربّما استعمل الكابيتول كقلعة في هذا العهد البيزنطي ممّا جعل بعض المؤرّخين يسمّونه كذلك. إنّ قطع الفخّار وبعض النّقود التي تمّ العثور عليها داخل هذا المعلم وخاصّة بطبقته السّفليّة مكّنت من الاستنتاج أنّه تمّ إخلاؤه والعدول عن استعماله كمعبد في نهاية القرن الخامس بعد المسيح أو بداية القرن السّادس على أكثر تقدير. كما عثر داخل إحدى قاعات الطّابق السّفلي الأوّل على بقايا معصرة زيت تمّ تركيزها خلال هذه الفترة المتأخّرة من تاريخ هذا المعلم.

4. الحمّامات العموميّة

كما يحتوي الموقع على بقايا منازل عديدة ترجع إلى العهد الرّوماني وبقايا أربعة حمّامات أخرى نذكر منهما خاصّة حمّام عائلة لابيري (Laberii) وكذلك بقايا صهاريج ضخمة وما تبقّى من الحنايا التّي كانت تموّل المدينة بالمياه المستقاة من العيون الجبليّة المجاورة. تقع هذه الحمّامات على بعد حوالي 200 م شرقيّ الكابتول وهي معلم ضخم، يبدو للمشاهد في مظهر كتل من بقايا جدران، وأسقف تساقطت على إثر الانفجارات الكبيرة التي أصابته خلال الحرب العالميّة الثانية. إنّ عظمة المعلم وكبر مساحاته تدعونا إلى مقارنته بالحمّامات الإمبراطوريّة المتواجدة بشمال إفريقيا مثل حمّامات أنطونيوس بقرطاج أو الحمّامات العموميّة بمدينة بلاّريجيا. تحتوي هذه الحمّامات على طابقين : طابق أوّل علوي وهو يشمل الحمّامات ذاتها بأجزائها الباردة والسّخنة، وطابق سفلي يضمّ في جزئه الأوّل منطقة الخدمات وفي جزئه الثاني خزّانات للماء. يقع تزويد هذه الحمّامات بالماء عن طريق قنوات تحمل المياه فوق أعمدة تمّ العثورعلى بقاياها مؤخرا. هذه المياه تجلب من عيون تنبع من الجبال المجاورة الموجودة بالجنوب وبغرب المدينة. الحفريات الأخيرة مكّنت من التّعرّف على المنطقة المسخّنة وعلى الأفران الموجودة بها، وكذلك من التّعرّف على تاريخ بناء هذه الحمّامات الذي يرجع إلى بداية القرن الثاني بعد المسيح وذلك عن طريق جزء من نقيشة تمّ العثور عليها بالمنطقة الشّرقية للطّابق السّفلي للمعلم. يحظى المعلم الآن بعمليّة ترميم وصيانة تتمثّل خاصّة في الطّابق السّفلي حيث يتمّ تدعيم أسقفه والأقواس التي تحملها.

 

Share this content:

Ali DABBAGHI
Ali DABBAGHI

Ingénieur Général spécialiste des systèmes d'information et de communication, مهندس عام في نظم المعلومات والاتصالات General Engineer information and communication systems

© 2010-2021 Institut National du Patrimoine Tunisie, 04, place du château 1008 Tunis المعهد الوطني للتراث، 04 ساحة القصر باب منارة 1008 تونس Tél. +216 71 561 622, Fax : +216 71 562 452 Inc. Tous Droits réservés. Web Master

RSS
Follow by Email